عندما كتبت ابتهاجا بالارتفاع التاريخى فى محصول القمح المصرى هذه السنة، وصلتنى رسالة من شخصية وطنية عريقة فى حقل السياسة المصرية تتهمنى بالمشاركة فى خداع المصريين، وفى الحد الأدنى من رسالتها الحانقة على الكلام عن إنجاز القمح تعتبرنى مضللا (بضم الميم وفتح اللام) ومضحوكا على وغارقا فى الوهم، إذ قالت نصا «أكذوبة ارتفاع إنتاج القمح سوف يفضحها الفلاحون أنفسهم).
فى ذلك اليوم واحتراما لتاريخ هذه الشخصية أجريت اتصالات بمجموعة من زراع القمح فى أكثر من مكان فأكدوا لى أن هناك بالفعل زيادة كبيرة فى الإنتاج، وتواصلت مع النقابة العامة للفلاحين، وهى نقابة مستقلة أقرب للمعارضة منها إلى مؤسسة الحكم فأكدوا لى حدوث هذه الزيادة، وإن تحدثوا عن مشاكل تتعلق بالتوريد والتخزين يمكن حلها، وهذا ما شدد عليه نقيب الفلاحين فى حوار مع إحدى الفضائيات التى تكره رائحة الخبز وتطرب كثيرا لرائحة الدم، ولم تفلح محاولات المذيعة المتوثبة لافتراس الضيف وانتزاع تصريحات منه تنفى معجزة الوصول بإنتاج القمح إلى أرقام غير مسبوقة، فحولت مجرى الحديث إلى مهاجمة الحكومة واعتبار أن هذا الإنجاز صنعه الفلاح وحده لكنه إنجاز منقوص.
ومنذ أيام قلائل تلقيت دعوة كريمة من النقابة العامة للفلاحين لحضور حفل تكريم لزراع القمح الذين حققوا أرقاما قياسية فى الإنتاج هذا العام، والاحتفال بالمعجزة التى تحققت لأول مرة فى تاريخ زراعة القمح فى مصر.
وبالطبع لن تحظى هذه المناسبة السعيدة باهتمام من وسائل إعلام تكره الأخضر وتعشق الأحمر القانى، لا تستهويها إرادة الزرع والنماء بقدر ما تسيل لعابها روائح الدم وأدخنة الحريق، وتوصل الليل بالنهار استدعاء للمجزرة وتهيئة للمحرقة.
وإذا كانت قضية بحجم قضية نهر النيل وما يتهدده من أخطار قد تراجعت حتى تكاد تختفى فى قائمة أولوياتهم، فهل سيتذكرون القمح أو الفلاح؟
لقد كان هيجل الفيلسوف الألمانى الأشهر يقول: «إن بومة منيرفا لا تبدأ فى الطيران إلا بعد أن يرخى الظلام سدوله»، وما أكثر البوم الذى يطل على مصر منذ شهور صانعا حالة من الإعتام التام ومحدثا جوا من الظلام والسواد كى يحلق فرحا فوق خرائب لا يريد أن يرى سواها، ومن ثم كان من الطبيعى أن تصوب دانات الإعلام الكاره لكل بادرة أمل ذخيرتها ضد كل ما تشتم منه رائحة إنجاز أو نجاح.
إن أمراء الانتقام المتعطشين لمزيد من الدم لا يريدون أن يروا مصر إلا خرابة هائلة، ومنطقى فى هذه الوضعية أن يكون نجوم المرحلة هم الأكثر حماسا لإراقة الدماء وإشعال الحرائق، فيما يسقط الزارع والصانع والعامل الكادح من ذاكرة بارونات الجحيم.
ومن الآن وحتى ٣٠ يونيو الجارى سوف تستمر ماكينات الكراهية تعمل بكامل طاقتها لإنتاج المزيد من أسباب الصدام ودوافع الانتحار، إذ صار بعضهم لا يرى مانعا فى إعلان استعداده لحرق مصر كلها وهدمها على رءوس من فيها كى يسترد دولته التى أسقطها شعب القمح فى يناير عام ٢٠١١.
ومن أسف أن أبطال ثورة الكرامة الإنسانية ارتضوا لأنفسهم بعد ثلاثين شهرا من اجتراح المعجزة التى أذهلت العالم أن يلعبوا دور «الكومبارس» فى ثورة أمراء الانتقام المضادة.
وكما حمى الله هذه الثورة فى مواجهة أعتى الضربات، وكما احتضنها الشعب ودافع عنها بصدور عارية فإنه لن يخذلها هذه المرة ويتركها تسقط تحت أقدام جحافل الظلام.
No comments:
Post a Comment