ثورة أم
حل أزمة وقتية
محمد شريف كامل
الامين العام للمجلس الثوري المصري
عندما
قامت ثورة 1919 في مصر لم تقم لحل ازمة وقتية ما في مصر، بل قامت من اجل مستقبل
مضيئ لمصر وشعبها، فلم ترفع شعار التعايش مع المحتل البريطاني او تحقيق الممكن، بل
رفعت شعار "الاستقلال التام او الموت الزئام"، وهم يعلمون تماما ان طريق
الثورة طريق طويل وشاق، وانهم إن جلسوا يوما ما على مائدة التفاوض للتفاوض مع
المحتل، لن يتفاوضوا على تحقيق الجلاء من عدمه ولكنهم سيتفاوضون على ترتيبات
الجلاء وتوقيتاته.
وعندما اندلعت
الثورة الفلسطينية وأسست منظمة التحرير الفلسطينية لم تقم لحل ازمة وقتية للشعب الفلسطيني
او تحسين ظروفة المعيشية، بل قامت من أجل تحرير فلسطين المغتصبة، فلم ترفع شعار
التعايش مع المغتصب الصهيوني، بل رفعت شعار "ثورة حتى النصر"، وهم يعلمون
تماما انهم إن جلسوا يوما ما على مائدة التفاوض، للتفاوض مع المغتصب، لن يتفاوضوا
على استرداد الحق من عدمه ولكنهم سيتفاوضون على ترتيبات استرداد ذلك الحق.
لقد مرت الثورة
المصرية بمراحل متعددة من الصراعات مع قوى الهيمنة الدوليه والمحلية، والتي مرت
بعدة محطات هامة، منها ثورة 1952، واتفاقية الجلاء، ومرحلة تصدير الثورة أو الثورة
العربية الشاملة، ثم كارثة 1967 فكارثة كامب دافيد، لتنتهي بالتبعية التامة، وهي
الاحتلال غير المباشر، والذي أوصل مصر لحالة من الفساد الشامل، فساد أوجب ثورة
الشعب ليستكمل تحرره وامتلاك مقدراته، فكانت ثورة ينابر 2011.
عندما بدأ
الحراك الشعبي في 25 يناير 2011، وقف المصريون في الداخل والخارج في ذات الخندق يتطلعون
الى تحقيق حلم الاستقلال التام الذي قُوض على ايدي الثورة المضادة من العسكر
والدولة العميقة بدعم شامل من المنظومة الدولية والاقليمية دفاعا عن سيطرتها وفرض التبعية حماية لمصالحها التي يرعاها المغتصب
الصهيوني.
وعندما
وقع الانقلاب في 3 يوليو 2013، انقسم معارضيه الى ثلاثة اقسام، القسم الأول رأى
انه من الحكمة الاستسلام التام والتعايش مع الانقلاب لانه الاقوى ومحاولة تغير
الاوضاع من داخلة، والقسم الثاني رأى انه من الضروري رفض الانقلاب ومقاومته سلميا والتمسك
بالشرعية لأنها هي النهج المبدأى الوحيد الذي يضمن للثورة الحياة بين المتغيرات الاقليمية
والمنظومة العالمية ويمثل تثبيتا لحق الشعب في الاختيار ورفض شرعنة الانقلاب والقبول بنتائجه، والقسم الثالث
رأى ان رفض الانقلاب مع عدم التمسك بالشرعية يعطي فرصة اكثر واقعية لتحقيق شيئا ما
يحقق حياة افضل للمصريين، حتى وان تاخر تحقيق أحلام الثورة.
وأستمر
الحراك السلمي الرافض للانقلاب، وكلما طالت المدة اذدادت الثورة صمودا وتحول حلم يناير
الى حلم الثورة الشاملة، إلا ان الامر لم يخلوا من تراجع البعض بدعاوي مختلفة، منها
افكار تدعوا لايجاد حل لتحسين الظروف المعيشية للشعب الذي يعاني على الارض، ومنها
ايجاد البديل المقبول من المنظومة الدوليه. وهذا ما يعرف بإسم فريق الاصطفاف التام،
وهو يدعوا للاصطفاف مع كل من رغب تحت راية إسقاط رأس الانقلاب، بلا مبادئ ولا معايير
محددة، ويرون ضرورة التعايش مع الدولة العميقة والمنظومه الدوليه حتى يتم التخلص
منها في المستقبل، والعجيب قي الامر ان ذلك الاتجاه هو من إنتقد د مرسي والاخوان
لعدم استكمال الثورة والمهادنة مع الدولة العميقة والمنظومة العسكرية.
لقد ذكرني
ذلك الحوار بمنظمة التحرير الفلسطينية، عندما تصورت ان دورها ايجاد حل أزمة وقتية للشعب
الفلسطيني، فانحرفت عن مسارها وانجرفت لطريق الاعتراف بالامر الواقع تحت شعار
تحقيق الجزء الممكن الذي قد ترضى به المنظومة الدولية، وتأجيل
الثورة الشاملة المنشودة، فلم تحقق الجزء الممكن بل قتلت الثورة، ولم تحد من معاناة
الشعب الفلسطيني بل تحولت إلى منقذ للمغتصب من أزمته وزادت من معاناة الشعب الفلسطيني.
ان أى تراجع
عن الثورة الشاملة سيمثل إستسلام وردة لما قبل 25 يناير 2011، إستسلاما لمنظومة
الدولة العميقة التي تعتمد على بطش القوى العسكرية في الحفاظ على سيطرتها، وإسقاطا
لحقوق الانسان المبدئية من العيش والحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية ومساهمة
منا في منع شعبنا من تحقيق الحلم، وكفرا بالارادة الشعبية التي تملك القدرة على
الصمود وإنتزاع حقوقها.
بالنسبة للمجلس
الثوري المصري وبالنسبة لي، فالأمر واضح لا خلاف عليه والرؤية محددة في الثورة
الشاملة، والمبادئ المستقبلية التي رسمتها وثيقة حماية الثورة التي رسمت صورة شاملة لمجتمع مصري سوي نحلم به
ووضعت الخطوط العريضة لكيفية تحقيق ذلك المجتمع بعد إسقاط الانقلاب. في ذات الوقت
لا نسمع من اي من القوى الاخرى سوى أنغام الاصطفاف التام وتأجيل كل الامور، بدعوى
العودة لـ 11 فبراير 2011، وحينها تتوه الأمور بين نخبة فاقدة للرؤية وعسكرمتمسكين
بالدور المرسوم لهم، وهذا ما سيؤدي حتما لقتل الثورة وإستقرار الامر لدولة مبارك الفاسدة
بدون شخص مبارك.
إن من يدعون
للاصطفاف التام بلا رؤية ومن يدعون الى اخراج رأس الانقلاب، واهمون بأنهم يخففون
العبئ عن الشعب ويحلون أزمة وقتية، بينما هم في الحقيقة يساعدون النظام على الخروج
من أزمته.
No comments:
Post a Comment