سلام العنصرية... أم سلام العدل ...؟
بقلم: محمد شريف كامل
1 أكتوبر 2001
ونشرت بجريدة الهجرة مونتريال
لقد وقع العمل الإجرامى فى 11 سبتمير 2001 و صدم العالم
من وحشيته ودقة تنظيمه، ولكن الصدمة الأكبر فى رد فعل الكثير من مدعى الحضارة
والرقى، وكان على رأسهم متحف الحضارة الكندى الذى قام بقرار منفرد بإلغاء أوتأجيل
معرض الفن العربى، لأن الوقت غير مناسب وغير ملائم لعرض الفن العربى ..! هل لأن
العرب إرهابيين مخربين..؟ أم لأن الإدارة المسؤلة إستسلمت للعنصرية الكامنة داخلها
والتى مالبثت أن تجوب حياتنا وكأنها كانت تنتظر من يخرجها.
نحن لا نقلل من ألام ضحايا الحادث الإجرامي ولكن ألامهم
سوف يداوى الزمن أغلبها، أما ألام ضحايا
العنصرية فلا يداويها الزمن بأي حال من
الأحوال.
إن العنصرية هى فى دم كل منا فلا يستطيع إنسان أن ينفى
تلك الحقيقة، أنها تمثل طبيعة البشرالأنانية التى نعيشها اليوم وكل يوم، ولكن
الفارق بين وجود النزعة العنصرية داخل الإنسان أو ظهورها علنا فى تصرفاتنا
اليومية، هوالفارق بين الإنسان المتحضر وغيرالمتحضر.
ولقد سمعنا كثيرا عن شعوب الغرب المتحضرة التى تخلصت من
العنصرية، ولقد حاول البعض إقناعنا بأن عنصرية الغرب سقطت منذ الستينات - حسب
قولهم- كما ذكر فى قوانين المساواه، وظللنا طوال تلك السنوات نقول أن ذلك التحضر
ليس له وجود إلا فى القوانين فقط ولكن الحقيقة غير ذلك.
نعم الحقيقة غير ذلك، والعنصرية هى إحد مقومات وسمات هذا
المجتمع، والدلائل على ذلك كثيرة ومتعددة وتظهر غالبا فى كل الأزمات، وأبسط
الأمثلة على ذلك أنه حين يطالعنا الركود الإقتصادى، فأول من يستغنى عنه في العمل
هم من يسمونهم ذوى الأصول الأخرى، وحين نصل إلى الترقى فى الوظائف العامة وحيث تقل
الحصة البشرية يكون من نصيبنا أقل نسبة ممكنة. وكلما بحث المجتمع عن عدو، يبحث عن
عدو جاهز يتفق مع هوى الغالبية وتشير غالبا أصابع الإتهام مباشرة إلى كل ما هو غير
أبيض البشرة، ولأن إضطهاد السود أصبح غير مقبول سياسيا، ولأن السود يمثلون جزءا من
التاريخ العنصرى لهذا المجتمع، ولأن المصلحة السياسية تستوجب وجود عدو خارجى، ولأن
الإعلام موجه بأغرض محددة ...!
لكل ذلك أصبح
العرب والمسلمون هم الهدف الجاهز الذى توجه له دائما أصابع الإتهام كلما بحث
المجتمع عن عدو ليلقى عليه كارثة ما ويوجه
غضب المجتمع مما حاق به. ولا دليل على ذلك أكبرمن حادث أوكلاهوما -1997- الذي بدأ
بحملة غضب شنعاء ضد العرب والمسلمون ثم إنتهى الأمر بإتهام بعض من أفراد الجماعات
العنصرية البيضاء، وعوقب أحدهم بالإعدام والأخر بالسجن مدى الحياه، ولكن هل من
إجراء حقيقى تم إتخاذه من أجل مواجهة تلك الجماعات ...؟ لا يوجد أى إجراء، بل هو
مجرد محاكمة لأفراد، ولم تشر أصابع الإتهام إلى تلك الجماعات المنظمة المسلحة والتى تتمتع بكافة حقوقها المدنية داخل
المجتمع.
وحينما تقع حوادث التفجير فى أيرلندا و يذهب ضحيتها
الأبرياء، لا يتحدثون عن تجريم الكاثوليك، بل يكون الحديث فقط عن جماعة تتخذ من
العمل المسلح والتفجيرات طريق لتحقيق أهدافها ، ولم تقتحم الدبابات منازلهم ولم تعلن أسمائهم كمجرمين
مطلوبين للعدالة، فلم يحارب الكاثوليك بتهمة الإرهاب ، بل وأن الولايات المتحدة
تحديدا هى من الأماكن الأساسيه لجمع
التبرعات لمنظماتهم.
والوضع ليس كذلك حينما بهب
الجميع بإتهام العرب والمسلمون باى عمل إجرامى، حتى أن الإعلام الموتور ذهب إلى حد
بعيد غير مقبول، فقد بدء الإعلام من اليوم الأول فى إدانة المتهم - ليس فقط بتوحيه
تهمة الإشتباه بل الإدانة- وصدر الحكم حتى قبل إعلان الأدلة ـإن وجدت ـ لأن كل تلك
السذاجات التى نسمع عنها كل يوم لا تزيد عن كونها بلاغات وأقوال مشكوك فيها لا
يمكن أن تصل إلى درجة حتى الشواهد و ليس الأدلة،
وعلى سبيل المثال و ليس الحصر:
- بلاغ تليفونى عن سيارة فى موقف المطاربها كتاب
تعليم الطيران باللغة العربية..! هل من يتعلم الطيران في الولايات المتحده أو
المانيا يريد كتاب تعليم الطيران باللغة العربية..؟
ـ بلاغ عن إكتشاف جواز سفر لعربى
من ركاب الطائرة على بعد بلوك سكنى من مركز التجارة، الصندوق الإسود تحطم .! وجواز
السفر وجدوه ...!
ـ العشرات من الأشخاص بتم إلقاء
القبض عليهم بدعوى أنهم من تنظيمات سرية مسلحة ومدربين لعمليات مشابهة، ثم يشهدون
طواعية وبسرعة عالية على أمور لا يصدقها عقل.
ـ كشوف أسوماء ركاب الطائرة
تعلن بدون أى إسم عربى واحد ثم فجأة يظهر أسماء عربية كلها بلا سابق معلومات و
كلها مشاركة فى العمليات الإجرامية.
ـ صدفة تم العثور على حقيبة
المتهم الأول فى المطار وبعد أسبوعين من الحادث، ومن الصدف أيضا أنه وجد بها
مذكراته الخاصة ومذكورا فيها خطة المؤامرة.
وأعلن الإتهام الثابت بالدليل
القاطع، وختم بخاتم الإعلام وصدقه كل المجتمع وشرائح كثيرة بالخارج، ولكن أين
الدليل؟ هل الدليل هو كراهية هذه التنظيمات للولايات المتحدة، فلو أن الدليل هو
كراهية فالقائمه طويله، تبدأ بالعالم العربى الذى يعانى منذ أكثر من خمسون عاما من
الغطرسة الصهيونية المدعومه من الولايات المتحدة، ثم العالم الإسلامي الذي يعانى من
فترة طويلة من السيطرة الصهيونية على الإعلام والقرار الأمريكى وحول
السيطرة إلى الأمم المتحدة، ثم أفريقيا التى لم تستطع أن تتمتع بالإستقلال من الإحتلال
الأوروبى لتقع تحت السيطرة الإقتصادية الأمريكية، إلى جنوب شرق أسيا التى مازال
يفرض عليها النموذج الأمريكى الذى يهدف إلى الربح دون النظر إلى الشعوب المستغلة،
ثم أمريكا الجنوبية التى لا يوجد بها من لم يعانى من السيطرة ونفوذ المخابرات
الأمريكية، ومعظم هؤلاء يعانون من حكام أقل ما يمكن أن يوصفوا به هو الديكتاروية،
و تعينهم الولايات المتحدة للبقاء فى الحكم، ولا نسبطع أن ننهي تلك القائمة دون
ذكر أورويا التى تشعر بالمذلة والهوان أمام العسكرى الزرق الذي مازال يقودها إلى
الدمار الشامل.
إن ما حدث فى الولايات المتحدة
هو جريمة بشعة ولا شك، ولا مبرر لها غير تلك الترتيبات التي تلتها وهي ولا شك
جريمة أبشع تهدف إلى فرض السيطرة المباشرة للقرار الأمريكى على العالم كله، نعم
هناك عالم جديد يتشكل ولكنه يتشكل بالعنصرية شعارا له، وإن لم يكن ذلك العالم
قادرا على أن يكون عالم عادل فسوف يكون عالم مليئ بالكراهية وما تقوم به الولايات
المتحدة الأن هوتكريس وزيادة لتلك الكراهية وليس إحقاقا للحق والعدل، فالعدل الذى
هو الطريق الوحيد للسلام لا تستطيع الولايات المتحدة تحقيقه، لأن تحقيقه سيصتدم
بمصالحها التى تشكلت منذ زمن بعيد وأزاحت كل من وقف فى طريقها و لذا قتل كنيدى و
لذا جاءت تفجيرات المركز التجارى العالمى، وسوف تذهب بلا عقاب للمجرم الحقيقى ولكن
سوف تساعد على تكريس العنصرية.
إن هذا المجتمع بهذه الصوره هو مجتمع معتل
والمجتمعات المعتلة لا تستطيع ان تحقق العدل ولا تستطيع ان تحقق السلام وإنما تحقق
فقط الكراهية وتشكل إعداء جدد كل يوم.
No comments:
Post a Comment