لماذا الصمت؟
بقلم: محمد شريف كامل
2 مارس 2000
مشاكل الأقليات فى المجتمعات لاتنتهى و لن تنتهى
مادام المجتمع غير قادر على فهم حقيقة العلاقة البشرية و ضرورة تعلم التاريخ و
التعمق فى القيم الروحية و الإنسانية .
تلك المشاكل تتفاعل فى وقت إلى
الأخر و تصل لحد الصدام الذى إذا بدأ و لم يتم السيطرة عليه تكون نقطة اللا عودة ،
و الوضع دائما ليس كذلك.
هناك مثال مختلف تماما حيث نعيش هنا على أرض كندا- و إن
كان لحد ما ليس بتلك الخطورة التى تعيشها جارتنا الولايات المتحدة- فطبيعة تكوين
هذان المجتمعان الجديدان فى امريكا
الشمالية - و المقصود بالجديدان هنا هو ما بعد الهجرة الأولى من الأوروبيين -
طبيعة تكوينهم قامت أساسا على فكرة عنصرية حيث كان الهدف إنشاء مجتمع جديد من
العنصر الأبيض على حساب فناء المجتمع السابق من الهنود الحمر ( المواطنون الأصليون
) و قد تشابه ذلك المجتمع الجديد حينذاك مع مثيلتيه فى كل من استراليا و جنوب
أفريقيا و ما عرف فى ذلك الوقت بإسم روديسيا و لكن الفارق الوحيد كان فى التفوق
العددى حيث فشلت فى أفريقيا و لذا ظلت الأغلبية من الشعب الأصلى الأسود تقاوم ذلك
الإستيطان الأبيض الذي سققطت أخر معاقله مؤخرفى جنوب أفريقيا.
ولكن هناك و لا شك فارق بين ما حدث فى أفريقيا وما حدث
هنا، ذلك الفارق يتركز في السيطرة العددية و التنمية الإقتصادية فالتمييز العنصرى
مازال قائما هنا و لكن مع تفاوت المعايير، ففى استراليا نجدأن العنصرية هى المحرك
الأساسى للمجتمع حيث المواطنون الأصليون يعيشون فى الكهوف و الجبال دون أى رعاية
حكومية، و فى الولايات المتحدة أى إحتجاج من قبل المواطنون الأصليون يقاوم بالطائرات و الجيش ، وإن كان فى كندا هناك ولا شك بعض الحقوق للمواطنون
الأصليون و لكنها دون رعاية كافية رغم
وجود وزارة خاصة بهم .
و لكن لماذا نتذكر كل ذلك، الأمر فى غاية البساطة و هو إننا أقلية،
أقلية مهاجرة و إن لم نقف مدافعين عن بقية الأفليات الأخرى فنحن معهم سوف تهضم
حقوقنا، وكل تلك الأحداث التاريخية إنعكست أثارها بلا شك و ظل المجتمع الأمريكى و
الكندى حتى الستينات يعامل غير البيض معاملة مواطن من الدرجة الثانية. أى أنه فقط
فى النصف الثانى فقط من القرن العشرين تحركت تلك النظم للمساواه بين المواطنين،
وظل السود و بالطبع جميع الأقليات الدينية يعانون من تلك التفرقة و إن كانت غير
مسموح بها قانونا إلا أنها مازالت فى نفوس البشر ومن وقت لأخر نرى ما يدور حولنا و
خاصة من تلك المنظمات المتعصبة من البيض و النازيون الجدد الذين يدعون لقيام دولة
مسيحية بيضاء يستبعد منها كل من هو غير ذلك و يكدسون السلاح و يدربون أجيال على
ذلك و فى كل المستويات الإدارية و الرسمية الحكومية و غير الحكومية لهم بها أعضاء
يعملون على حماية مصالحها و إختيار الوقت المناسب للإنقضاض على الأقليات و النظام
و إقامة نظامهم الخاص .
و من المؤسف أن الدولة لا تتحرك لمواجهتهم و
تتحرك لمواجهة أى عناصر أخرى بدعوى العداء للنظام
و نمط الحياه الغربي ، و منها ما قد يكون هناك حق فى مواجهتهم له و منهم من
يواجهونه لأهداف سياسية و عنصرية فى ان واحد.
كل ذلك عاد للأذهان عقب حادثتين غير مرتبطتين و
لكنهما مترابطتين :
الأولى لتلك السيدة الكندية من أصل إيطالى التى
تم إحتجازها فى السجون الأمريكية لعدة اشهر، وفى بداية التحقيق ذكر أنها تحمل مواد
متفجرة ، ثم تم محاكمتها بتهمة مخالفة إجراءات دخول الولايات المتحدة ، فأين
المتفجرات؟ !!
و الثانية
حادثة إطلاق الرصاص على مواطن أسود فى مدينة نيويورك - أحد مراكز العنصرية-
و الحادث يرجع لعامين ماضيين و لكن المحكمة قد برأت رجال البوليس الأربع المتهمين
فى ذلك ، وقد تشابه هذا الحدث مع حادث السائق الأسود (كينج ) فى لوس أنجلوس منذ
عدة اعوام ولكن الفارق أن حادث (كينج) قد تم تسجيله على شريط فيديو و هذا الحادث
لم يسجل ، شئ عجيب ان تبرئ المحكمة أربع رجال بوليس أطلقوا واحد و أربعون طلقة
رصاص بمتوسط عشرة طلقات لكل رجل بوليس - أحدهم أطلق تسعه عشر طلقة .... لماذا ألم
تكن طلقة أو اثنتين كافين لإيقاف هذا الشخص الذي حسب دعواهم حاول الهرب و لم يكن
معه سلاح أمر عجيب للغاية !!!!!!!!!
نعم قد يكون رجال البوليس غير مذنبين و قد يكون
المواطن الأسود هذا قد أساء التصرف و لكن النية واضحة و التفرقة واضحة ، مدينة
مليئة بالسود و تسير فرقة بوليس من أربع أفراد كلهم من البيض و ثلاثة منهم لهم
سابقة فى سوء المعاملة و يطلقون كل ذلك الكم من الرصاص على فرد واحد قبل دخوله
منزله و يصدر فى حقهم حكم براءة.
فلا تعجبوا إن أصبح أي منا الضحيه التاليه و
الأمر ليس ببعيد و نحن ماذلنا نتصارع داخل أنفسنا وكندا ليست ببعيدة عن نيويورك و
أحداث الماضى كثيرة ، فلماذا الصمت فى مواجهة ذلك الغول القادم ليقتلع كل شئ ؟
أوليس مستقبل أبنائنا أمانة فى أعناقنا؟